أهم القضايا التي تشغل العرب

إن سؤال “ما الذي يشغل العرب؟” لا يمكن الإجابة عليه بكلمة واحدة. فالعالم العربي، الممتد من المحيط إلى الخليج، لا يعيش “لحظة” واحدة، بل يعيش “طبقات” متداخلة من الواقع.

لفهم ما يحدث، يمكننا استعارة “هرم ماسلو للاحتياجات”. فالقضايا التي تشغل بال المواطن العربي اليوم ليست قضية واحدة، بل هي “هرم” من الأولويات الملحة، من الصراع على البقاء في القاعدة، إلى السباق نحو المستقبل في القمة.

والتحدي الفريد للمنطقة، هو أنها مضطرة للتعامل مع كل طبقات الهرم في وقت واحد.


القاعدة: صراع البقاء والأمن (The Foundation: Survival & Safety)

هذه هي القاعدة العريضة والأكثر إلحاحاً، حيث لا مجال للحديث عن المستقبل قبل تأمين “الحاضر”.

  • قضية الحياة والموت: هذا هو ما يشغل الملايين في مناطق النزاع المشتعل. اليوم (14 نوفمبر 2025)، يتركز هذا الهاجس في نقطتين:
    1. السودان: مع إعلان قيادة الجيش أن “نهاية المعركة ستكون في دارفور”، فإن ما يشغل المواطن هناك هو النجاة من الموت، والبحث عن مأوى، والهروب من الحصار.
    2. غزة: بعد ويلات الحرب، القضية هي “إنسانية” بحتة. البحث عن الماء، والدواء، وإعادة بناء مأوى.
  • الأمن الشخصي: في مناطق أخرى، قد لا يكون “الحرب”، بل “الأمن” اليومي، وسيادة القانون، والاستقرار الأمني هو الهاجس الأول.

بالنسبة لهذه الشريحة، “القضية” ليست سياسية، بل هي قضية “وجودية”.


الطبقة الثانية: “لقمة العيش” (Economic Security)

هذه هي الطبقة “الأوسع” التي تشغل بال الأغلبية الصامتة في كل الدول العربية تقريباً، حتى المستقرة منها.

  • هاجس التضخم: السؤال اليومي: “كم سأدفع غداً ثمن احتياجاتي الأساسية؟”. تآكل قيمة العملات المحلية في دول مثل مصر ولبنان، وارتفاع تكلفة المعيشة عالمياً، يضع ضغطاً هائلاً على “الطبقة الوسطى”.
  • قضية “الوظيفة”: الهاجس الأكبر للشباب (الذين يمثلون 60% من السكان). هل سأجد وظيفة تليق بشهادتي؟ هل راتبي يكفي لتأسيس أسرة؟
  • الاستقرار المالي: حتى في الدول الغنية، هناك قلق من نوع آخر: “التحوط للمستقبل”. كما رأينا اليوم في مصر، قرار السماح لشركات التأمين بالاستثمار في “الذهب” هو انعكاس لهذا الهاجس: البحث عن “ملاذ آمن” ضد تقلبات الاقتصاد العالمي.

بالنسبة لهذه الشريحة، “القضية” هي “الاستقرار” الاقتصادي والمعيشي.


الطبقة الثالثة: الهوية والانتماء (Identity & Belonging)

بمجرد تأمين العيش (نسبياً)، يبرز سؤال “المعنى”.

  • القضية الفلسطينية: هذه ليست مجرد “قضية سياسية” في القاعدة، بل هي “قضية هوية” في قلب الهرم. إنها تمثل “جرحاً” جامعاً و”بوصلة” أخلاقية للوجدان العربي. الأحداث الأخيرة في غزة ليست مجرد خبر، بل هي “قضية شخصية” تمس كل بيت عربي.
  • صدام الحداثة والتقليد: تشهد المنطقة (خاصة الخليج) تحولات اجتماعية سريعة جداً. هذا يخلق نقاشاً مجتمعياً عميقاً حول “الهوية”: كيف ننفتح على العالم دون أن نفقد “أصالتنا”؟

بالنسبة لهذه الشريحة، “القضية” هي “من نحن؟”.


قمة الهرم: سباق المستقبل (Self-Actualization)

في قمة الهرم، حيث الدول التي أمنت (إلى حد كبير) القاعدة، يتحول الانشغال من “البقاء” إلى “الريادة”.

  • هاجس “الذكاء الاصطناعي”: هذا هو ما يشغل بال القادة وصناع القرار. تقرير “جاهزية التقنيات الرائدة” الذي صدر اليوم يوضح هذا السباق. القلق هنا هو: “هل سنفوت الثورة الصناعية القادمة؟”.
  • اقتصاد “ما بعد النفط”: في الخليج، القضية الكبرى هي “تنويع الاقتصاد”. الاستثمار في السياحة، والترفيه، والتكنولوجيا ليس “رفاهية”، بل هو “ضرورة” لضمان مستقبل الأجيال القادمة.
  • الريادة العالمية: استضافة الفعاليات الكبرى، وبناء المدن الذكية (نيوم وغيرها)، كلها جزء من قضية “المكانة”.

بالنسبة لهذه الشريحة، “القضية” هي “إلى أين نحن ذاهبون؟”.


Posted

in

by

Tags:

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *